فلسفة اللاشيء (الإلحاد)، في 24 أبريل 2016، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

(أعتذر إلى الله من الخطأ والشطط والزلل)
الحمد لله ربّ العالمين!


الإلحاد كلمه تعني لغويّا وضع الموتى في اللّحد، واصطلاحا تعني إنكار الألوهيّة والدّين بالكليّة، أي إن الحياة الدنيا من وجهة نظر الملحدين ماهي إلا “أرحام تدفع Ùˆ قبور تبلع”Ø› فلا إله ولا دين ولا آخرة ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب، “لا شيء”! الإلحاد عمل سياسي بامتياز، لأنه ناتج بالأساس عن حالة من سوء الفهم لحقيقه الدين والدولة، وناتج كذلك عن التداخل والتفاعل الخاطئ وغير الرشيد بين سلطة الدين وسلطة الدولة. الإلحاد تعبير عن حالة الهزيمة التي لحقت بالدين في معركته مع السياسة، والتي لا تعني أبدا أنّه خسر الحرب. يقولون: لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، يظن الكثيرون منّا عامّة وخاصّة أنّ هذه المقولة صحيحة وواقعيّة ومفيدة، لكن تاريخ الاحتياجات الإنسانيّة الماديّة والمعنويّة أثبت أنّ العكس هو الصحيح، والعبارة المناسبة من وجهه نظري: “إنّ لكل سياسة دينًا، وإنّ لكل دين سياسة”ØŒ وهذا ما سنحاول إثباته لاحقا. ولكي نحقّق فهما دقيقا لمشكلة الإلحاد، يجب علينا أولا أن نحاول فهم معاني المصطلحات الآتية: الدولة، السياسة، الدين، ثم نحاول فهم العلاقة بين كل هذه المفردات، ثم نحاول إيجاد تصوّر دقيق يحقّق انضباط العلاقة بينها لتحقيق نفع البشريّة.
الدولة إقليم يعيش عليه مجموعة من البشر، بينهم ترابط ثقافي أو اجتماعي أو اقتصاديّ ثمّ تاريخيّ. استطاع هذا الترابط أن يقنع هذه المجموعة البشريّة بوحدة الهدف والمصير، واقتنع كل فرد من هذه المجموعة البشريّة بأنه يتوجّب عليه أن يتنازل عن جزء من حريّته وماله حتى يتسنّى له أن يحافظ على ما تبقى له من حريّة ومال؛ لذا يلزم الدولة أن تقيّد قوانينها وتصرفاتها بإطار فوقيّ من القيم الأخلاقيّة العليا حتي يشعر المواطن بالرضا والاطمئنان عند تعظيم سلطة الدولة (سلطه القانون) فوق سلطة نفسه ورغباته وطموحه الشخصي.
السياسة علم وفن استخدام الإمكانيات والموارد المتاحة في الدولة ماديّة ومعنويّة وبشريّة، لتحقيق الأهداف المخطّطة. إنها جملة الإجراءات والتصرفات التي يتّخذها السياسيّون أفرادا أو جماعات بهدف الوصول للسلطة والمحافظة على البقاء فيها. ويشترط عند تحديد الأهداف، أن تكون متوازنة مع الإمكانيات المتاحة في الدولة ومتّسقة مع الظروف المحليّة والإقليميّة والدوليّة. والسياسي شخص عالم بإمكانيات الدولة، وبالأهداف الحقيقيّة المطلوب تحقيقها، وبالطريقة والأسلوب الأمثل لتحقيق هذه الأهداف، والمتمثّل في تمكنه من وضع خطة واضحة ومرنة وقابلة للتنفيذ لتحقيق هذه الأهداف. وهو أيضا عالم بالمخاطر والتحديّات والتهديدات التي تواجه الدولة، والتي يمكن أن تؤثر بالسلب على بقائها. وتلزم السياسي بالإضافة لمهاراته و كفايته الشخصيّة مجموعة من المعاونين والخبراء والمستشارين على درجة عالية من الكفاية والإخلاص. ويلزمه كذلك سلطة القانون، التي هي جملة القواعد والإجراءات والتصرفات التي تضمن انضباط المجتمع أفرادا وجماعات لأداء كل منهم دوره بدقّة للحفاظ على الدولة ولإنجاح خطّة التنميّة. ويجب أن يتوفّر لدى الفرد والجماعة داخل حدود الوطن أو خارجه الاقتناع العقلي والرضا والقبول النفسي بسلطة الدولة وسياده القانون. ولكي يتحقق ذلك يجب على الحاكم وهيئه حكمه أن يكونوا مقنعين للشّعب من حيث كفايتهم المهنيّة، وأنهم أهل ثقة من حيث نزاهتهم الأخلاقيّة. وليس هذا فقط، بل يجب على الدولة أن تقوم بتعليم الشعب وتثقيفه ليزداد إيمان الفرد بالدولة وأهميّه بقائها، وتحصينه أيضا من الأنشطة الهدامة التي يقوم بها عدو الدولة الخارجي وخلاياه النائمه داخل الإقليم؛ لذا لزم اتخاذ كل الإجراءات والتدابير التي تحقق السيطرة على أفكار وعقول أفراد الشعب وميولهم النفسيّة، وجعلها في التوجّه المناسب الذي يحقّق الخطّة التنمويّة للدولة، ومنع العدو الداخلي أو الخارجي من تحقيق السيطرة على الشعب.
الدِّين من الدَّين. والدَّين هو ذلك الشيء المستحق على المَدين للدَّائِن. والله هو الدَّيَّان، أي صاحب الحق الأصيل على العبيد. الدَّين هو الأمانة. الأمانة هي التوجّه الصادق المخلص إلى الله بالعبادة والشعور له بالامتنان والحمد، ثم هي أداء الحقوق للمخلوقين كما يجب.
أراد الله أن يخلق مخلوقا مميّزا عن غيره من المخلوقين، فكان الإنسان. وجعل الله بينه وبين الانسان علاقة خاصّة مميّزة. أراد الله من الإنسان أن يتوجّه إليه بالعبادة ويسدد الدّين المستحق عليه، لكن بإرادة نفسه الحرّة وبقدرته الخالصة على الاختيار. إن الله وهب الإنسان الحريّة التي تعني بالأساس القدرة على الاختيار. ولأنّ الله عادل وهب الله الإنسان أعظم شيء يمكنه أن يسهّل له أداء مهمّته في الحياة الدنيا، لقد وهب الله الإنسان العقل، بشرط تحريره من سيطرة النفس وشهواتها وحماقاتها، وبشرط ألّا يتجاهل عداء الشيطان أيضا، وأمره أن يديم النظر والبصر والمشاهدة والتأمّل والتفكّر والتدبّر في نفسه والكون من حوله، لأنّ هذا هو الطريق الصحيح الموصّل إلى الله. ولأنّ الله عادل أرسل إلى الإنسان عددا كبيرا من الأنبياء، ليساعدوه على الوصول إلى الله، وليعلّموه أيضا كيف يؤدي الدّين المستحق عليه إلى الله. وتتلخّص رسالة السماء إلى أهل الأرض في أن الله أراد من الإنسان أن يحقق النجاح، وأراد له السعادة في الدنيا والآخرة؛ فأمره بالصلاة ليحقق استدامة التواصل بينه وبين الله، كما أمره بالعمل الجاد والدَّأَب وحسن الخلق وعدم الظلم لتكون حياته أفضل. لكن هناك أخطاء حدثت، الكثير من الأخطاء التي وقع فيها الناس العاديون، أخطاء كارثيّة حدثت من التلاميذ. التلاميذ هم ورثة علم النبوة والمسؤلون عن تبليغ علم الأنبياء إلى الناس بعد وفاة الأنبياء. إنّ كثيرًا من الناس رغم وضوح الرسالة الموجّهة من الله إليهم، لم يستطيعوا التحكّم في رغباتهم وشهواتهم وحبّهم للسيطرة والتعالي والمعاندة؛ فأنكروا حقّ الله عليهم، رغبة منهم في التحلل من أي قيد يقيّد رغباتهم أو يحدّ من انطلاق شهواتهم، فخرجوا من الدين، وكان الإلحاد! وتطاول بعض الناس على الله نفسه، حتّى ادّعى لنفسه الألوهيّة!
أخطاء التلاميذ
أولا أخطاء ورثة علوم النبوّات القديمة
كان الإنسان القديم جاهلًا جدا وساذجًا إلى حد بعيد، لا يعلم من أمور الدنيا إلا أقل القليل فقط. بالكاد كان يعلم كيف يكسب قوت يومه، وكيف يقيم حوائط بيته، وكيف يحافظ على بقاء نوعه، والنابه منهم يعلم كيف يظلم غيره:
وَالظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لَا يَظْلِمُ
التلاميذ أو الكهنة في المعابد وبلاط الملوك هم فقط من كانوا يعلمون الكثير من علوم الدنيا كالحساب والهندسة والفلك والصناعة والكيمياء وغيرها، إضافة إلى علم النبوات الموروث. وتتلخص أخطاء ورثة علوم النبوات القديمة فيما يأتي:
1) الخطأ في تقريب المفهوم للناس العاديّين. أراد التلاميذ تعليم الناس معنى الله والملائكة والخير والشر والدنيا والآخرة والحساب والمكافأة والعقاب والجنّة والنار وقصّة الخلق، فاضطّروا إلى تقريب الصورة والمفهوم إلى عقل المواطن العادي بإعطائه الأمثلة، لكن اتسعت الهوّة بين الأصل والمثال؛ فتحول “الله” إلى “أبولّو” أي “أبو الآلهة”ØŒ وصار الملائكة هم آلهة الخير والبحار والأنهار والجبال والأمطار…ØŒ وأصبح الشيطان هو إله الشرّ. ثم زادت رغبة التلاميذ في مزيد من التقريب فكانت الصور والتماثيل والمنحوتات، ثم كانت الحكايات والأحاديث والقصص الخياليّة والخرافيّة الساذجة، لتوضيح صفات الإله وقدراته، بغرض تقريب المفهوم لعقول البسطاء والعامة. وعلى الجانب الآخر من الدنيا بنفس الطريقة تقريبا أصبح المعلم بوذا والمعلم كونفوشيوس آلهة تعبد من دون الله، وكأنّ الخطأ شيء غريزي في الإنسان.
2) كذلك تحولت الطقوس والشعائر الدينيّة الإيمانيّة، إلى كرنفالات ومهرجانات واحتفالات ترضي كافة الأذواق، ليحقّق الكهنة مزيدا من السيطرة على النفوس والعقول وجني المزيد من المال.
لقد ساعدت أخطاء علماء الديانات السماويّة القديمة على ضياع قيمة الدّين، وعملت بقوّه على نشر وترسيخ الإلحاد بين طبقات كثيرة من البشر.
ثانيا أخطاء علماء اليهوديّة الموسويّة
لم يستطع علماء اليهود أن يتصوّرا عالميّة الدعوة الموسويّة التي تهدف بالأساس إلى إعادة وتصحيح العلاقة بين الله والناس وتحقيق العدل ونشر الخير، وظنّوا أنّ اليهوديّة ديانة محصورة في أبناء النبي إسرائيل وعائلته، ووصفوا الناس من غير اليهود بالأميّين؛ فعملوا على ترسيخ العنصريّة والاستعلاء من أبناء النبي اسرائيل المتديّنين على باقي البشر الوثنيّين. وتتلخص أخطاء علماء اليهوديّة الموسويّة فيما يأتي:
1) العنصريّة، التي نتج عنها مبدأ أن بني اسرائيل هم شعب الله المختار. ولم يكتف علماء اليهود بذلك، بل عملوا على رفض ومحاربة الديانات السماويّة الأخرى لتظل سلطتهم الروحيّة باقية بغير منافس.
2) الاستباحة والاستحلال اللذان نتج عنهما مبدأ “ليس علينا في الأمييّن سبيل”ØŒ الذي يقضي باستحلال اليهود لأموال وأعراض ودماء غير اليهود (الأميّين).
لقد ساعدت أخطاء العلماء اليهود على ضياع قيمة الدّين، وعملت هذه الأخطاء بقوّة على نشر وترسيخ الإلحاد بين طبقات كثيرة من البشر.
ثالثا أخطاء علماء المسيحيّة
لم يستطع الكثير من علماء المسيحيّة أن يفهموا حقيقة وجوهر المعجزة الإلهيّة في خلق السيّد المسيح عيسى بن مريم. لم يستطيعوا فهم أنّ الله قادر على خلق إنسان بدون أب رجل. لم يستطيعوا فهم أنّ الله قادر على أن يجعل الأنثى تحمل وتلد دون أن يلقحها ذكر. وتتلخص أخطاء علماء المسيحيّة فيما يأتي:
1) الخطأ في تقريب المفهوم. وصف علماء المسيحيّة السيد المسيح بأنّه ابن الله، واستعاروا من القصص الوثنيّة القديمة مصريّة ويونانيّة ما يستطيعون به تقريب مفهوم معجزة خلق السيّد المسيح للعامّة والبسطاء.
2) الخطأ في التقديس. بعد أن أصبح المسيح إلهًا أو ابن إله كان لزاما أن يصبح كبار التلاميذ رسل الإله، وازداد حجم الخطأ والانحراف عن الجادة بعد اعتناق الإمبراطور الروماني المسيحيّة الجديدة بغرض أن تصبح القداسة هالة تحيط به وبإمبراطوريّته المترامية الأطراف. وإلى هنا لم تكتمل بعد المصيبة التي أصابت دين السيّد المسيح عيسي بن مريم، فزاد الخطأ والانحراف عن ذلك بعد أن أصبحت الكنيسة الكاثوليكيّة هي نفسها الدولة، وأصبح القس المقدّس هو الحاكم، يحكم بأمر الإله، ويجب على الرعيّة أن تعد أوامره وحيًا من السماء، مما جعل الثورة على هذا الحاكم هي بالضرورة ثورة على الدين، وجعل الدولة الحديثة والقوى السياسيّة الجديدة مضّطرة لأن تحارب الدين والمسيحيّة والأخلاق في نفس الوقت بنفس القوّة التي تحارب بها سلطة الحاكم المقدّس (الكنيسة). لقد ساعدت أخطاء علماء الدين المسيحي على ضياع قيمه الدّين، وعملت هذه الأخطاء بقوّه على نشر وترسيخ الإلحاد بين طبقات كثيرة من البشر.
رابعا أخطاء علماء الإسلام
قبل الإسلام كانت الإنسانيّة تعج بمجموعة من الأخطاء التي لا يمكن السكوت عنها؛ فكان لزاما ظهور دين جديد يحتوي كل الأفكار القديمة، ويظهرها للناس بصورة صحيحة يمكن تقبّلها، ويمكّن الإنسان من أن يجعل حياته أكثر سعادة. أرسل الله النبي محمدًا -صلى الله عليه، وسلّم!- ومعه القرآن ليصحّح المفاهيم القديمة عن الله والدين، ويعلّم الناس كيف تكون حياتهم أفضل، لكن لم يستمر الأمر كما أراده النبي محمد، وكانت هناك الكثير من الأخطاء التي تتلخّص فيما يأتي:
1) الجمود و التحجّر. لقد ظهر الإسلام في بداية عصر الانطلاق البشري نحو العلم والتقدّم المادي؛ فكان لزاما على العلماء والخلفاء المسلمين أن يحدثوا التطوّر في القوانين والنظم الإداريّة في الدولة الإسلاميّة بما يناسب كل عصر جديد، لكن هذا لم يحدث بالشكل الكافي، و لم يحدث في التوقيت السليم. إنّ التحجّر والجمود كانا نتاج عدم فهم الكثيرين من علماء المسلمين فهما دقيقا للفكرة الإسلاميّة. إنّ الفكرة الإسلاميّة تتضمّن مجموعة من العناصر:
أ) الله،
ب) العقيدة الإسلاميّة،
ج) القيم الأخلاقيّة العليا،
د) القوانين والشرائع،
هـ) الأحكام القضائيّة،
و) التصرّفات الشخصيّة المعيشية اليوميّة للنبي محمد التي تناسب المواقف المختلفة،
ز) اجتهادات كبار الصحابة والعلماء التي تختلف طبقا لاختلاف أحوال الناس وزمانهم.
هناك مفاهيم ثابتة لا تتغيّر باختلاف الزمان والمكان، هي الله والعقيدة الإسلاميّة والقيم الأخلاقيّة العليا. أمّا الشريعة والقوانين فيمكن أن تتطوّر بشكل ما طبقا لتغير الزمان و المكان، وطبقا لتغيّر أحوال الناس واحتياجاتهم وأولوياتهم. وأمّا بالنسبة للأحكام القضائيّة التي قضى بها النبي محمد -صلى الله عليه، وسلّم!- في قضايا عرضت عليه أو تصرفاته في المواقف المختلفة وكذلك اجتهادات العلماء وآراؤهم، فهي تُعدّ مرشدا للمشرّع الإنساني في وضع القوانين. لكن النظم الإداريّة وآليّة العمل بالدولة يجب أن تتطوّر بسرعة التطوّر الحادث في ثقافة الناس ومتطلباتهم المعيشية. لقد وصل الجمود ببعض علماء الإسلام أن عدوا التصرفات المعيشية النبويّة ومظهر الحياة أيّام النبي محمد -صلى الله عليه، وسلّم!- هي قوانين لازمة التطبيق؛ فبدلا من أن يصبح الاسلام كما كان متوقعًا منه هاديا للإنسانية في انطلاقتها ناحيه التطوّر، جعل منه بعض أبنائه مظهرا من مظاهر الجمود والتخلّف.
2) الخطأ في التقديس. لقد أخطأ المسلمين نفس أخطاء الأمم السابقة، فسعى قسم منهم إلى تقديس بعض الولاة والحكّام، وسعى قسم آخر إلى تقديس بعض العلماء والفقهاء والمفكّرين، وذلك بتقديس علمهم وآرائهم التي أثبت الواقع المعيش أنّ فيها جوانب من الخطأ، أو أنّها أصبحت لا تلائم التطوّر الحادث للإنسان ماديّا ومعنويّا. وعمل قسم ثالث من المسلمين (الشيعة) على تقديس بعض الشخصيّات التاريخيّة الإسلاميّة ليؤكّد حقّه المقدّس في خلافة المسلمين وتولّي أمرهم. لقد وضع بعض علماء الدين الإسلامي المسلمين وغيرهم من الناس بين أمرين أحلاهما مر؛ فإمّا قبول آرائهم وتصوّرهم عن الإسلام والحكم وإمّا التكفير والمواجهة! لقد ساعدت أخطاء بعض علماء الدين الاسلامي على ضياع قيمة الدّين، وعملت هذه الأخطاء بقوّة على نشر وترسيخ الإلحاد بين طبقات كثيرة من البشر.
كان يتوجّب على علماء الدين السماوي، الاكتفاء بدورهم في توضيح وتفسير وشرح الدّين للناس عامّة وخاصّة، لضمان استقامة الجميع على الجادة، ليحققوا النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة، لا أن يطوّعوا الدين أو يطوّعوا تفسيره لخدمة الأحداث السياسيّة المتغيّرة.
ونتيجة لجهل بعض السياسييّن بالدين وأهميّته في حياة الإنسان وضرورته في نجاح الدولة حاربوا الدين والأخلاق والفضيلة، واخترعوا أفكارا هزيلة كالشيوعيّة في الشرق واللّيبراليّة في الغرب، لتكون دينا بديلا أو بديلا عن الدين، لتملأ الفراغ الروحي لدى المواطنين بعد محو الدّين؛ فضلوا، وأضلّوا!
إنّ الدّين يحتاج إلى سياسة اللّين والإقناع والحكمة والموعظة الحسنة، للوصول إلى عقول وقلوب الناس وهدايتهم إلى لله الحق. والسياسة تحتاج إلى قيم وأخلاق الدّين الحقّ، حتى لا تصبح الدنيا غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وحتي لا تضيع حقوق الفقراء و الضعفاء، وذلك على مستوى الأفراد والجماعات والدول.
ويمكننا الجزم بأن الإلحاد ناتج عن تلك الحرب الضروس بين علماء الدين المتطلّعين إلى ملك الدنيا من خلال سيطرتهم على قلوب المؤمنين، ورجال السياسة المتطلّعين إلى السيطرة على عقول وقلوب الناس دون منافس. وهذه المعركة بالأساس ناتجة عن جهل أو سوء فهم لدى كلا طرفي الصراع لحقيقه الدين والدولة وطبيعة العلاقة بينهما. إن الدولة تحتاج إلى دين يضبط تصرفاتها، والدين يحتاج إلى دولة تحمي وجوده من عبث العابثين من أهل الفجور و الفساد. إن خوف دول الغرب والشرق من انتشار الإسلام بين شعوبها إنّما هو ناتج عن فهم خاطئ لمفهوم الخلافة الإسلاميّة، وادعاء البعض زورا حقّه المقدّس في قيادة المسلمين في كل بلاد الدنيا؛ فكما سعى السياسي الغربي إلى هدم المسيحيّة ونشر الإلحاد كي يحافظ على ملكه وسلطانه من سطوة الكنيسة، يسعى الآن إلى محاربة الإسلام وتشويهه؛ لذا يجب علينا:
1) أن نعلن عن هُدنة بين علماء الدين ورجال السياسة،
2) ثم نوضّح أنه “كل ميسّر لما خلق له”ØŒ
3) وأنّه كما يتوجّب على رجال السياسة تحقيق النجاح الاقتصادي والحفاظ على الدولة، يلتزمون كذلك بضمان تحقيق السّكينة الروحيّة لأفراد الشعب.
و الله أعلم، حفظ الله مصر والمصرييّن! 

Related posts

Leave a Comment